الأحد، 15 يونيو 2025

07:59 م

الضيق الرقمي يُصيب 95٪ من المراهقين.. صرخة صامتة خلف الشاشات

الأحد، 15 يونيو 2025 09:23 ص

هلا محمد

صورة

صورة

 

في زمن باتت فيه الشاشات تُلازم المراهقين من لحظة الاستيقاظ وحتى ما بعد منتصف الليل، تظهر أزمة جديدة تتجاوز الأضرار الجسدية والإدمان التقني، إنها "الضيق الرقمي"، الحالة النفسية الصامتة التي يعيشها الملايين من الشباب يوميًا دون أن يلتفت إليهم أحد.

تشير دراسة حديثة صادرة في يونيو 2025 إلى أن نحو 95% من المراهقين يعانون من درجات متفاوتة من الضيق الرقمي، وهو مصطلح يشير إلى الانزعاج والتوتر والقلق الناتج عن الإفراط في استخدام الأجهزة الرقمية ومواقع التواصل. في ظاهره ترف وترفيه، وفي باطنه ضغط نفسي عميق لا يدركه الأهل في كثير من الأحيان.

شاشة في كل مكان.. وهدوء مزعج في الداخل

"ابني لا يُفارق الهاتف، حتى أثناء الأكل لا يرفع عينيه عنه"، تقول أمٌ لفتى في الـ15 من عمره. هذا المشهد بات مألوفًا في كل بيت تقريبًا، لكن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الوقت الطويل الذي يُقضى أمام الشاشة، بل في ما تخلّفه هذه العادة من آثار داخلية لا تُرى: قلق، عزلة، تشتت، ومقارنة مؤذية بالآخرين.

الدكتورة يمنى العشماوي، أخصائية الطب النفسي للمراهقين، تشرح بوضوح أن كثيرًا من الحالات التي تستقبلها يوميًا في العيادة "لا تُشخّص في البداية على أنها مرتبطة بالتقنية"، لكنها بعد جلسات متعددة تتضح علاقتها المباشرة بالإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن المراهق "يدخل عالمًا افتراضيًا بلا رقابة، ويخرج منه مُنهكًا نفسيًا".

حين تتحوّل المقارنة إلى أزمة هوية

الضيق الرقمي لا يأتي فقط من الاستهلاك الزمني، بل من الطريقة التي يُستخدم بها المحتوى. المراهق الذي يتصفح إنستغرام أو تيك توك لساعات لا يرى إلا صورًا لحياة مثالية ومؤثرين ناجحين وشخصيات مشهورة، ما يدفعه تلقائيًا إلى مقارنة حياته العادية بتلك الصور المنقّحة، ويشعر بشكل لا واعٍ بأنه أقل شأنًا أو غير كافٍ.

ويضيف الدكتور طارق السعدني، استشاري علم النفس الرقمي، أن أخطر ما في الضيق الرقمي هو أنه "يخدع العقل البشري ويؤثر في تقدير الذات تدريجيًا". ويشبه الأمر بحالة "انسحاب" تشبه تلك المرتبطة بالإدمان: شعور بالتوتر إذا انقطع الاتصال، فراغ بعد الانتهاء من التصفح، وتشتت مستمر في التركيز.

علامات لا يجب تجاهلها

من المهم أن يلتفت الأهل والمربون إلى بعض الإشارات التحذيرية التي قد تدل على أن المراهق يعاني من الضيق الرقمي:

تقلبات مزاجية حادة بعد استخدام الأجهزة.

الانعزال أو تفضيل البقاء وحده لفترات طويلة.

ضعف التركيز وتراجع التحصيل الدراسي.

الأرق أو اضطراب النوم.

ردود فعل غاضبة عند فقدان الهاتف أو الانقطاع عن الإنترنت.

المواجهة تبدأ من الأسرة

التعامل مع الضيق الرقمي لا يتم عبر المنع أو العقاب، بل عبر إعادة التوازن. يوصي الأطباء والخبراء باتباع خطوات عملية تبدأ بتقليل وقت الشاشة تدريجيًا، وتعزيز الأنشطة الواقعية مثل الرياضة أو الفنون أو المشاركة المجتمعية، وفتح مساحة للحوار مع المراهق حول مخاطر "الصورة الرقمية الكاذبة" على الإنترنت.

كما أن تحديد أوقات يومية خالية من الأجهزة، خاصة قبل النوم وأثناء الوجبات، يُعدّ من الخطوات المهمة. وفي الحالات التي تتفاقم فيها الأعراض، يُنصح بالتواصل مع مختص نفسي لمساعدة المراهق على فهم ذاته واستعادة توازنه النفسي.

توازن في زمن السرعة

في عالم لا يتوقف عن التحديث، بات الحفاظ على التوازن النفسي ضرورة لا رفاهية، خاصة لدى الفئات العمرية الحساسة. فالمراهق الذي يقضي ساعات يوميًا في التفاعل مع عالم رقمي سريع ومليء بالرسائل المتضاربة، يحتاج إلى مساحة آمنة حقيقية، لا تكون فيها الشاشة صديقه الوحيد، بل نفسه ومحيطه الحقيقي.

search